يواجه قطاعا الفلاحة والبناء، على وجه الخصوص،
أزمة حادة في اليد العاملة المؤهلة، حيث لم يعد بإمكان أصحاب الأراضي وورشات البناء
إيجاد عمال مؤهلين، بعد أن أصبح هؤلاء يفضّلون تجريب حظهم في مشاريع ”أونساج”.. وأمام
هذا الوضع المزري بدأت اليد العاملة الأجنبية، خاصة الصينية والإفريقية، تمتص كل ما
يعرض من فرص عمل، وما أكثرها، خاصة وأنها تملك قابلية للعمل مهما كانت الظروف المناخية
والمهنية.
3 ملايين عامل في البناء والأشغال العمومية
والفلاحة
الجزائر تعاني من نقص في اليد العاملة المؤهلة
تعرف بعض الولايات الشرقية ذات الطالع الفلاحي
مشكل غياب اليد العاملة، التي أثرت على مردودية الإنتاج، وسط حديث عن غياب الظروف الملائمة
لممارسة هذا النشاط.
ويشتكي فلاحو ولاية بسكرة، وبالأخص منتجي
التمور من عدم توفر اليد العاملة، الأمر الذي أثّر سلبا على تطوير خدمة الأرض، وكذا
عملية الجني التي تأخرت عن موعدها المتعارف عليه الذي يتزامن ومنتصف أكتوبر. أجمع العديد
من كبار الفلاحين على أن اليد العاملة أضحت مشكلة تؤرقهم طوال أيام السنة وتزداد حدّتها
في بداية كل موسم، حيث أصبح من الصعب العثور على عمال يتكفلون بعملية ”القطيع” قطع
العرجون وتوظيب التمر في الصناديق تحسبا لتسويقه. وحسبهم، فإن هذه الوضعية كلفت بقاء
العراجين معلقة في النخل ومعرضة للتلف، لتحرم المنتج الذي انتظر قرابة عام كامل من
بيعها والانتفاع من مدخولها لتغطية تكاليفها.
وأرجع البعض هذا النقص إلى عامل تقلّص اليد
العاملة القادمة من الولايات المجاورة لمنطقة بسكرة بالنظر إلى عدة أسباب، فيما برر
آخرون هذا النقص الذي يطرح في السنوات الأخيرة إلى الزيادة المعتبرة في المنتوج بفعل
ارتفاع عدد أشجار النخيل المغروسة إلى أزيد من 4 ملايين نخلة، ويضاف لها انحسار المهن
المرتبطة بالنخل على كبار السن في ظل انعدام تكوين الشباب الذين يرفضون الإقبال على
هكذا أعمال. من جهة أخرى، يرى آخرون أن توفر الامتيازات الخاصة، التي تطرحها مشاريع
”أونساج” و«كناك” وغيرها تتسبب في العزوف عن خدمة الأرض.
وتعدّ ولاية خنشلة ولاية فلاحية رعوية بحكم
الوعاء العقاري الفلاحي والغابي والسهبي الذي تشتهر به، الأمر الذي جعل الدولة تضخ
آلاف الملايير لتطوير هذا القطاع، إلا أن العزوف عن العمل في الفلاحة من قِبل الشباب
البطالين جعل أصحاب المستثمرات الفلاحية يلجأون إلى اليد العاملة الموسمية من خارج
الولاية، للعمل في أراضيهم ومستثمراتهم.
ويعاني القطاع الفلاحي بولاية خنشلة من
قلة الإنتاج رغم أن الولاية فلاحية، بعد هجرها، لتهمل الأرض وتترك بورا، فيما يلجأ
الملاك وأمام النقص الفادح في اليد العاملة إلى عمال موسميين للعمل في النشاط الفلاحي
وتربية المواشي، في الوقت الذي استفاد الآلاف من الشباب من العتاد الفلاحي حوّلوه للعمل
بالوسط الحضري مهملين النشاط الفلاحي، حيث تم تقدير ما نسبته 65 في المائة من الأراضي
الفلاحية ذات الجودة العالية مهملة.
وتعتبر ولاية سطيف الملاذ الوحيد للمئات
من الشباب الباحثين عن العمل سوى القطاع الفلاحي بكل الولايات، فقد تجدهم صيفا سواعد
تجني المحاصيل بشرق البلاد ويتنقلون شتاء لولايات الغرب.
عينة من هؤلاء الشباب التقينا بها بمشتة
الدوار لكبير، التابعة لبلدية قجال جنوبي عاصمة الهضاب العليا، حيث وجدنا شبابا يتفاوتون
في السن أغلبهم قادم من الولايات الجنوبية للوطن خاصة السهبية منها، على غرار منطقة
الجلفة وبوسعادة وغيرهما، وقد أكد هؤلاء أنهم قصدوا المنطقة طلبا للرزق، حيث يعدون
مستأجرين بالقطعة، ”فعلى قدر ما عبّأت من صناديق على قدر المقابل المادي”، أما مواقيت
العمل فطويلة جدا. وقد أكد العاملون ذاتهم لـ«الخبر” أن أصحاب الأراضي الفلاحية يلجأون
لهؤلاء في ظل شح السواعد المحلية التي تقبل العمل في جني المحاصيل الفلاحية.
خنشلة: ط.بن جمعة/ بسكرة: ل.فكرون/ سطيف:
ع.ربيقة
مشاريع معطلة في قسنطينة وڤالمة
المؤسسات الصينية في قفص الاتهام
تعدّ الشركات الصينية الجهة الأولى التي
تلجأ إليها الدولة الجزائرية أثناء برمجتها لمشاريع استعجالية، حيث تستحوذ هذه الأخيرة
على أكبر عدد من مشاريع البناء، تسجل معها جملة من اختلالات بين طالبي العمل والمؤسسات
العاملة وعلاقة قانون العمل معها.
تواجه أغلب المقاولات المخصصة للبناء بڤالمة
مشكل تأخر إنجاز المشاريع سواء المتعلقة بإقامة سكنات ذات طابع تساهمي واجتماعي وغيرها،
وكذا بعض المنشآت ذات الطابع الإداري، وهذا بسبب قلة اليد العاملة، حيث تعرف بعض مشاريع
السكن التساهمي المحسوبة على برنامج 2005 تأخرا كبيرا في إنجازها، ولم يتمكن أصحابها
رغم تسديد المستحقات من تسلم الشقق.
وقد طُرح المشكل في كثير من المحطات على
السلطات الولائية، سواء على مستوى عاصمة الولاية أو بعدد من البلديات والدوائر منها
بومهرة أحمد ولخزارة ودائرة بوشقوف وبلدية تاملوكة، حيث تكاد تتوقف المشاريع بسبب الندرة
المسجلة في اليد العاملة المحلية، بعد أن رهن هذا العائق العشرات منها، وأوجد أصحابها
في مأزق حقيقي فيما يتعلق باحترام الآجال المحددة بدفاتر الشروط لتسليمها، وهذا المشكل
دفع السلطات الولائية لاتخاذ قرارات مؤخرا تتعلق بتمكين شركات بناء أجنبية، ومنها الصينية
تحديدا، من إقامة مشروع يتضمن 1400 وحدة سكنية لتجاوز مختلف العوائق التي عرفتها المشاريع
السابقة، ومن بينها قلة اليد العاملة. وتعرف المشاريع الكبرى وورشات الأشغال المفتوحة
بعاصمة الشرق نقصا حاد في اليد العاملة وأحيانا المؤهلة في قطاع البناء، حيث تجد المؤسسات
العاملة والمشرفة على الإنجاز من مكاتب الدراسات الأجنبية وأمام هذا المشكل الكبير
نفسها مضطرة للاستنجاد بعمال من جنسيات أخرى، بعد بحث طويل عن يد عاملة محلية، ما أدى
إلى تأخر في إنجاز بعض المشاريع.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«الخبر” أن اليد العاملة
في هذا الاختصاص بالولاية ترفض العمل بورشات الإنجاز الصينية التي تستحوذ على أكبر
عدد من المشاريع، خاصة المندرجة ضمن عاصمة الثقافة العربية، وهو الأمر نفسه بالنسبة
للقطاع الخاص، لأنها تعاني من ظروف عمل سيئة جدا وبراتب عمل متدني لا يتجاوز 17 ألف
دينار جزائري مع استغلالهم أيام عطل الأسبوع، وهو الأمر الذي توقفنا عنده في مشروع
إنجاز فندق 5 نجوم ”ماريوت”، كما عرف في السابق مشروع إنجاز المدينة الجامعية بعلي
منجلي عجزا بـ600 عامل، حيث تم استقطابهم 1000 من الصين كان راتبهم مضاعفا مقارنة لما
يمنح للعامل الجزائري، كما استوقف مشروع إنجاز الجسر العملاق عند المشكل نفسه بعد دعوة
عمال برازيليين وبرتغاليين للمشاركة في الإنجاز.
مكاتب ”الخبر”
لأنها شاقة ومتعبة وغير مغرية
40 ألف منصب شغل تبحث عن ممتهنيها في ولايات
الجنوب
يعمل أكثر من 20 ألف عامل في مشاريع البناء
والفلاحة والرعي بالجنوب مقابل أجر لا يتعدى 500 دينار في مناطق عدة بولايتي أدرار
وتمنراست، ولا يزيد الراتب اليومي لعمال البناء في ولايات أخرى بوسط وشمال الجنوب عن
700 أو 800 دينار مقابل العمل في أشغال شاقة يترفّع عنها العامل الجزائري.
على حافة جدار في موقع قطع الواد بمدينة
تمنراست يقف يوميا العشرات من طالبي العمل من جنسيات إفريقية، أغلبهم من مالي والنيجر
وبوركينافاسو، ينتظرون المقاولين وأصحاب المشاريع الفلاحية، من أجل العمل وما إن تتوقف
سيارة أو شاحنة يقفز أكثر من 20 شابا، بعضهم قصّر، نحو السيارة في محاولة للظفر بأجرة
يوم عمل واحد.. يعرضون خدماتهم على المارة، يقبلون العمل حتى مقابل 400 دينار في اليوم
وكحدّ أقصى 500 دينار لأكثر من 10 ساعات وفي أشغال شاقة لا يقبل الجزائري تنفيذها حتى
ولو كان المقابل 2000 دينار. ويقول صالح ملالي مقاول من تمنراست: ”جئت للعمل في مجال
المقاولات بعين صالح ثم في تمنراست قبل 10 سنوات تقريبا وفوجئت بأجرة عمل العامل الإفريقي
المتدنية. في بعض الأحيان عندما تقلّ فرص العمل يقبل هؤلاء العمل حتى مقابل 350 دينار
يوميا وأحيانا يرفض المقاولون تسديد مستحقاتهم، أما بالنسبة لي فأما أوفر للعمال الأفارقة
المبيت والأكل بالإضافة إلى الأجر اليومي الذي حددته بـ500 دينار”، ويضيف: ”حتى لو
قررت أنا رفع أجرة العامل فإنني سأتعرّض للانتقام من باقي المقاولين، فهناك اتفاق على
عدم رفع أجرة العمال الأجانب حتى لا يتمرّدوا”.
وفي غرداية كتب مجهولون عبارة على جدار
مقابل للمكان الذي يقف فيه العمال الأجانب في انتظار العمل تهدد من يطلب أجرا يفوق
800 دينار يوميا، وفي قطع الواد بتمنراست التقينا عددا من العمال من جنسيات مالية ونيجرية
وبوركينابية ملابسهم الرثة تثير الشفقة، بعضهم قال إنه متزوج ويضطر لإرسال جزء من المال
القليل الذي يتقاضاه لزوجته فيما وراء الحدود، بينما يعيش بأقل من 200 دينار يوميا.
ويقول إدريس أحد هؤلاء العمال من النيجر: ”في النيجر يتقاضى العامل ما يقابل 400 دينار
في اليوم نظير العمل في الفلاحة أو البناء، وقد قرر أرباب العمل في تمنراست منحنا الأجر
نفسه هنا في الجزائر”، ويضيف: ”لا تمكن المشكلة في الأجر الذي يتقاضاه العامل، بل في
أن عددا كبيرا من المقاولين الفلاحين يرفضون منح العامل أجره”، ويؤكد هنا أن أحد المقاولين
رفض منحه مقابل عمل شهرين كاملين في مشروع بناء تابع للدولة. وبالنسبة للمصالح الإدارية،
فإن النقاش في الموضوع مرفوض تماما، حيث رفض مسؤولون في عدة مصالح مدينة معنية بملف
الهجرة وعمل الأجانب الحديث في الموضوع بحجة أن هذا يحتاج لترخيص من والي الولاية في
تمنراست. وقال أحد أعضاء المجلس الشعبي الولائي بتمنراست، طلب عدم نشر اسمه: ”لقد قررت
السلطات عدم التضييق على المقاولين في مجال احترام القانون في مجال تشغيل الأجانب،
بسبب حاجة الولاية لليد العاملة الرخيصة لدعم مشاريع البناء التي تعاني في الأساس من
تأخر كبير”.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن العمال الأجانب
غير المصرّح بهم في ولايات الجنوب يتعدى 20 ألف عامل، وتشير تقارير حول وضعية قطاع
التشغيل في ولايتي أدرار وتمنراست وغرداية وورڤلة إلى أن ما لا يقل عن 15 ألف عامل
من جنسيات إفريقية يعملون في مشاريع البناء والرعي والفلاحة.
وكشف تقرير رفعته هيئات إدارية للمجلس الاقتصادي
والاجتماعي عن توفر أكثر من 40 ألف منصب شغل في مشاريع البناء والفلاحة، هذه المناصب
يرفض الجزائريون العمل فيها لعدة أسباب، أهمها أنها أعمال شاقة. وأشار التقرير إلى
أن 90 بالمائة من البطالين في الجنوب يرفضون الالتحاق بمناصب الشغل المفتوحة في العشرات
من مشاريع البناء والمستثمرات الفلاحية، وهو ما يشكل معضلة كبيرة للسلطات المحلية التي
تواجه عجزا في مناصب الشغل في مشاريع البناء والفلاحة وتواجه جيشا من البطالين الذي
يرفض أغلبهم العمل في المناصب المتوفرة. وقال التقرير إن التخصصات الحرفية المفتوحة
في مراكز التكوين المهني لا تستهوي البطالين على المستوى المحلي، وأضاف التقرير أن
الولاية تعد منطقة جذب لعمال البناء والفلاحة من المهاجرين السريين، حيث يعمل في البلديات
الـ13 عبر الولاية ما بين 2500 و3000 عامل من جنسيات إفريقية في مشاريع البناء والفلاحة.
تمنراست: مبعوث ”الخبر” محمد بن أحمد
يشكو من نقص فادح في اليد العاملة
مشاريع ”أونساج” أثّرت على قطاع الفلاحة
كشف مصدر على اطلاع بواقع قطاع الفلاحة
أن القطاع يشكو من نقص فادح في اليد العاملة بنحو يصعب تحديده لغياب أرقام دقيقة، لكنه
يبقى هاما جدا. ومن بين الأسباب المسببة لذلك مشاريع دعم تشغيل الشباب مثل ”أونساج”،
التي ساهمت في نفور الشباب من خدمة الأرض.
وقال مصدر مأذون من وزارة الفلاحة إن القطاع
يشكو فعلا من نقص كبير في يد العاملة المؤهلة على مستوى المستثمرات الفلاحية التي يصعب
عليها العثور على عمال مؤهلين أو حتى يدويين، وهو النقص الذي لم تقدر على التقليل منه
وتيرة المكننة البطيئة. وأضاف المصدر نفسه: ”من الصعب إعطاء رقم دقيق حول المشكل، غير
أن ما هو أكيد أن الرقم كبير جدا حسب المعاينات الميدانية التي نقوم بها”. وعن أسباب
نفور الشباب من العمل في المستثمرات الفلاحية، قال المصدر نفسه: ”الأسباب متعددة، ويوجد
من بينها آليات تشغيل الشباب عبر القروض مثل ”أونساج”، التي تؤدي إلى نفور الشباب من
المشاريع الفلاحية الصعبة والمرهقة، فيفضّلون الحصول على قرض وشراء شاحنة صغيرة والعمل
كناقلين ما يدرّ عليهم أموالا بأقل جهد، بعيدا عن مشاق خدمة الأرض”. وفي ظل هذه المعطيات،
يبدو أن التحفيزات المقدّمة من قِبل السلطات لإنعاش اهتمام الشباب بالفلاحة ليست كافية
وتحتاج إلى دفع إضافي.
الجزائر: فاروق غدير
محمد فرفار عامل فرز التمور يكشف
التعلّق بالنخلة ينسي متاعب فرز نوعية المنتوج
يؤكد الشيخ فرفار محمد، القاطن بقرية فرفار
بطولڤة في بسكرة والبالغ من العمر 60 سنة، أن مهنة فرز التمور متعبة جدا، حيث يقضي
العامل ساعات طويلة منكبا على تصنيف التمور حسب نوعيتها.
وحسب الشيخ محمد، فإن هذه العملية تبدأ
بقطع العرجون من النخلة، ثم يشرع ”الفراز” في تصنيف التمر إلى أنواع حسب الجودة، حيث
يتم تحييد كل نوع على حدى، من الأول إلى الثاني إلى الثالث، وتذهب التمور التي لا تصلح
للأكل كعلف للحيوانات كالماعز والأبقار.
وعن بداياته في العمل، يقول محدثنا إنه
امتهنه منذ الصغر، بحكم نشأته في عائلة فلاحية تمتهن كل ما تعلق بالنخلة. وبخصوص الأجر
الذي يتقاضاه الفرد نظير قيامه بهذه المهمة، يقول عمي محمد إنه كل عام يسجل ارتفاع
السعر، حيث وصل هذا الموسم إلى حدود 1200 دينار لليوم الواحد،
في حين يتقاضى من يقطع العرجون من النخلة
مبلغ 3000 دينار لليوم الواحد. والملاحظ أن
الطلب يزداد على اليد العاملة تزامنا مع موسم الجني في فصل الخريف، وحسبه فإن هذه المهن
لم يبق عليها سوى كبار السن من الشيوخ والعجائز، ويسجل عزوف شريحة الشباب إلا الذين
تدربوا على الفلاحة منذ الصغر، والسبب برأيه وجود إغراءات أخرى في عالم الشغل كقروض
”أنساج” و«كناك”، ورغبة البعض في الربح السريع على حساب أصول المهنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق